الثانية و النصف
:فجر اليوم الثانى : مكان ما
دقات الساعة تكاد
تكون طبول الحرب في انتظار الهجوم...سيمفونية الانتظار تشارك الساعة عزفها ثلاثة
قلوب....
قلب محارب فقد درعه
....و محارب فقد وطنه ... وقلب متمرس فقد احترافيته... بانتظار العدو ..قلب مات
بالفعل غرقا في دمه الأزرق...
التفت الجلاد حوله
... يستجوب عقله ..كمن يرى العالم لأول مرة..بخبرة طفل صغير ادار عينه في الارجاء
حوله محاولا استيعاب مكانه..كان كل شيئ حوله مجرد ظلال و خيالات ...انه جالس في مكان
ما..محيطه كبير بعض الشيئ...تعانق حيطانه السحاب ... اصوت همس و خطوات يأتي صداها
اذناه وكأنها قادمة من هوة سحيقة .. تشبث بمقعده بيديه و تحسسه في نفس الوقت ..
ناعم الملمس منخفض الحرارة صلد لا ينخدش..صلب لا ينكسر... انه الرخام ..كل شيئ
حوله رصاصى اللون و باهت المنظر رغم أصوات المكان التي تعطى الإحساس بالحياه.. كان
يجلس في المنتصف ...لوحة رائعة الجمال وغير مكتملة لرسام عبقرى مثل ليوناردو
دافنشى ...بعنوان "الحياه الغائبة"...حتى اتاه الصدى... انها صافرة
..اخذت تدوى في اذنه مرارا و تكرارا ...تلتهمها و تعذبها.. تغتصبها و تتلذذ
بصراخها المتوسل ... وكأنها تعترض على دخوله اللوحة دون اكتمالها ..أو لعدم وجود
مكان له فيها من الأساس .. انذار له بنهاية رحلة التطفل ..صافرة قطار العودة ..
هكذا رأه ..حتى ادرك المشهد...انها محطة القطار...كانت الصافرة قوية كفاية لترجرج
طبلة اذنه المسكينة وكأنها البحر في غضبه .. حتى ادرك مجئ القطار بكشافاته القوية
...انبعث ضوء القطار في محيط المكان ليغزو عينيه بلا مقاومة .. خارت قواه حتى على
القيام...كالميت.. غير قادر حتى على اغلاق عينيه التي يحرقها الضوء كقطعة ورق
تغتصبها النيران ..
واحس بألم في حنجرته
.. كأنه تكلم للأبد ... ليسكن كل شيئ فجأه ..وكأن الزمن توقف و هدأ عذابه.. و
تتوقف الصورة .. ليراه .. واقفاً امامه ناصع البياض..كأله من الهه الفراعنة المقدسين
.. هناك وقف على بعد ..ولكنه قريب
" الحروف مش
اكتر من خطوط و منحنيات .. احنا اللى بنشكلها علشان نوصل المعنى ، اهرب من المتاهة
....شكل المعنى"
استمع الجلاد الى
تلك الكلمات من استاذه الدكتور احمد عبد اللطيف ..قبل ان يتلاشى الأخير ..و يعود
كل شيئ الى ما كان .. ولكن اقوى
فصدى الصافرة يعلو
و يزداد الضوء حتى وصل الجلاد الى المنتهى ....منتهى الألم ....لينهدم جدار المحطة
معلنا عن وصول العدو الجديد .. الماء .. وكان بحار الأرض صبت غضبها و موجها على
المكان لتفتك بكل شيئ .. بالضوء .. والجدران ...والصافرة.......وأحمد الجلاد ...
دوت صرخة رعب في احدى
الشقق بمنطقة فيكتوريا ...معلنة وصول بشرى من الاحلام الى الأرض ....
تجمد احمد الجلاد في
سريره مستوعبا ما حوله ليجد نفسه في غرفة نومه ... نظر من النافذة ليرى تلك
المنطقة الكئيبة المعتادة ..محطة قطار فيكتوريا وتأمل الناس وهى تركب القطار في رحلة
عودتها الى منازلها مع بعض الامال اليائسة في قليل من المرح و كثير من النوم
..وتحرك القطار ببطئ مستوعباً الناس حاملين همومهم .. فهم بالخروج من غرفته ليدرك
كم هي ثيابه مبللة .. لم ]اخذ وقتا في التفكير عن الحلم ..لقد اشتم رائحته ..عدو
الانسان في كل زمان و مكان....العرق
جلس أحمد الجلاد أمام كوب الشاي الأسود متذكرا
جلسة من جلساته مع الدكتور احمد عبد اللطيف في بداية تعارفه عندما تحدث معه
الدكتور احمد عبد اللطيف عن اسرته فقال احمد الجلاد " طيب انا عايز اشترك يا
دكتور " فقال الدكتور عبد اللطيف " قريت كتاب ملائكة و شياطين "
فقال احمد الجلاد " ماليش في القراية أوى " فقال الدكتور احمد "
اقراه و كمان يومين هاناقشك في جزء و لو عرفت الحل ساعتها ربنا يسهل " فرجع
احمد الجلاد غارقا لليلتين كاملتين غارقا في عبقرية دان براون التي صاغت تحفه فنية
اطلق عليها اسم " ملائكة و شياطين فقام بالانتهاء من القراءة و رجع الى الدكتور
عبد اللطيف الذى قال " تمام و الا لسه " فقال الجلاد " تمام اوى يا
دكتور " فقال الدكتور و هو يخرج ورقة من جيبه " خد ديه و قولى رايك
" فقام الجلاد بأخذ الورقة ليجدها عبارة عن كلمات غير مفهومة قضى الأسبوع في ترجمتها
ليجدها موعد مع مكان قام بالذهاب اليه ليجد الدكتور عبد اللطيف يجلس يحتسى بعض
القهوة فقال بمجرد رؤيته لاحمد الجلاد " أهلا بيك في الاسرة يا أحمد "
نفس التوقيت : محمود الجزار :-
تذكر محمود الجزار تفاصيل ليلته المستمرة التي قضى أولها في فيلا الدكتور عبد
اللطيف يتلقى الضربات من حيث لا يدرى مرورا بأطلاق النار على أحمد سعيد انتهاءا
بمكالمتين أحدهما من أشرف البنهاوى يخبره بوصوله الى سلاح الجرائم و الأخرى من
أحمد الجلاد يخبره بحل اللغز و يطلب منه بمقابلته في عنوان في أحدى أحياء الإسكندرية
فقام بالذهاب ليجد نفسه جالسا مع أحمد الجلاد و أشرف البنهاوى في أحدى الشقق
الفارهة بأنتظار مجهول قد يأتي أو لا يأتي مسترجعا حياته في الأسابيع المنصرمة التي
قضاها في حل الغاز القضية التي هو بصددها الان ليجد نفسه دون وعى يرتجف من تذكر
الاحداث التي مرت عليه لينتفض الجميع على أثر أيلاج أحد الأشخاص لمفتاحه في طبله
الباب الخشبية ليهب الجميع واقفون و مرت ثوانى الانتظار ثقيلة حتى فرغ صاحب
المفتاح من غلق الباب جيدا و قام بأضاءة الانوار ليجد الثلاثة في انتظاره فقام
بالابتسام و قال " أخيراً جت المواجهة " فقال محمود الجزار " تصور
انك انت اللى حبست نفسك من غير اى مجهود علشان قفلت باب الشقة بالمفتاح سبحان الله
يا أخى ربك لما يريد " فقال الرجل بعدما قام برفع القلنسوة السوداء لينظر
الجميع الى شخص يقارب الثلاثين ذو لحية خفيفة محددة و عيون سوداء صغيرة نافذة و
شعر اسود منسدل يقول " تحبوا نبدأ منين " فقال محمود الجزار " ما
سألتش يعنى دخلنا هنا ازاى يعنى " فقال الرجل و هو يبتسم بجانب فمه "
سؤال غبى أكيد طفشت الباب مش هاتكون صعبة على واحد معاشر مجرمين " فقال محمود
و هو يجلس " هاتقول الحقيقة و الا هاتخاف " فقال القاتل " قبل أي حاجة
يهمنى أعرف مين اللى عرف يوصلى " فقال أحمد الجلاد " انا و دكتور احمد
عبد اللطيف " فقال الرجل بنبرة استغراب " انت بتحضر أرواح " فقال
أحمد الجلاد " الدكتور عبد اللطيف كان كاتب عبارات مش مفهومة على لوحات
مالهاش علاقة ببعض قدرت بمساعدته احلها و لقيتها عنوان الموضوع كان عايز شوية
تنظيم مش أكتر " فقال القاتل " ابن الكلب حتى و هو ميت مؤذى " فقال
أشرف البنهاوى " بس جديدة موضوع السلاح الحجرى ده " فقال القاتل "
انا فنون جميلة قسم نحت و تصوير مش صعب على حاجة زى كده " فقال محمود الجزار
" سؤال واحد و عايز إجابة عليه " فقال القاتل " ليه مش كده "
فقال محمود " بالظبط ليه " فقال القاتل " من خمس سنين سيادتك كنت
ملازم أول و مسكتنى في لجنة و مالقيتش معايا حاجة بس حضرتك خدتنى على القسم و هناك
لفقتولى تهمة مش بتاعتى خدت عليها 3 سنين سجن انا كنت الأول على دفعتى و دكتور عبد
اللطيف كان بيتفاخر بيه لكن أول ما حصل الموضوع ده شطبوا أسمى من الكلية و دكتور
عبد اللطيف راح لأهلى و حكالهم انى حشاش و بتاع نسوان والدى ما استحملش الصدمة و
مات و بعديه والدتى حصلته و انا كنت ابنهم الوحيد طبعا كل ده حصل و انا في السجن
حتى ما قدرتش احضر دفنتهم الاتنين ماتوا بسببى او بمعنى ادق بسبب ظابط شرطة قذر
سادى بيستغل سلطتة و نفوذه و دكتور جامعة ما كانش ليه أي حق انه يروح يبلغهم حاجة
زى ديه " فقال محمود الجزار " بس كدا كدا كانوا هايعرفوا " فقال
القاتل " ما تبررش حاجة أخرس لحد ما أخلص كلامى " فقام محمود بتحسس
سلاحه و جلس في صمت فتابع القاتل " لما دخلت السجن اكتشفت ان الأرض السودا
ممكن تنتج أحسن المحاصيل لقيت ان الغلبان جوا بينداس بالجزمة لكن الحرامى الكبير
بيتعمله الف حساب تخيل بقى واحد مظلوم و حصل ليه كل اللى حصل تفتكر هايطلع يبقى
ايه " فقال محمود الجزار " بس السجن تأديب و تهذيب و أصلاح " فقال
القاتل " دا عند الحجة الوالده السجن أغتصابات و تجارة مخدرات و وساخة لابعد
الحدود لو الواحد داخل السجن وحش قيراط هايطلع وسخ أربعة و عشرين طلعت من السجن و
ما فيش قصادى غيرك انت و دكتور عبد اللطيف دورت وراك و وراه و هنا ظهر انى على حق تخيل اكتشفت انه ساكن في نفس
الدايرة اللى سعادتك شغال فيها هنا حسيت انها علامة انى أكمل اللى بدأته و فكرت
فيه و فعلا كملت و أدينا في النهاية وصلنا للنتيجة اللى انا كنت عايزها بس معلش
قبل ما نكمل انا عندى سؤال دكتور عبد الطيف عرف ازاى يسيب حاجة عنى " فقال
أحمد الجلاد " جناس تصحيفى شوية كلمات مالهاش معنى لكن لو اترتبت بصورة معينة
بتدى مدلول و فلا لما عرف انك بتسأل وراه عمل حسابه و ساب علامات تدل عليك لدرجة
انه ساب عنوانك بالتفصيل و خفاه بجناس تصحيفى " فقال القاتل " دى الغلطة
الوحيدة انى رجعت بيت أهلى تانى " فقال محمود الجزار و هو يهم واقفا " و
السلاح صنعته ازاى " فقال القاتل " لا دى سهلة أوى النت ما خلاش حاجة
شوية بحث و طلعت بيه " فقال أشرف البنهاوى " بس انت طريقتك في القتل
محترفه مش طريقة هاو " فقال القاتل " خش السجن و انت هاتتعلم ازاى تقتل
الناموسة من غير ما توسخ أيدك " فقال أشرف البنهاوى " طيب و ليه حرقت
ضهر أحمد الجلاد " فقال القاتل " لآسباب كتيرة أول حاجة التشتيت تانى
حاجة انى كنت عايز أورى لمحمود باشا أزاى هو ضعيف و مش هايقدر ينقذ اللى معاه
لمجرد انه ظابط بدبوره " فقال أحمد الجلاد " و أشمعنه العراف و ليه
بالاتينى " فقال القاتل " اللاتينية لغة العلم الأولى انت تعرف ان
العلماء زمان كانوا بيخفوا بيها اكتشافاتهم المهمة علشان ما حدش يقدر يقراها
" فقال الجلاد " بس انا ترجمتها و فعلا عملتلى تشتيت " فقال القاتل
" انت و الأستاذ برا حساباتى انتوا ازاى دخلتوا الموضوع " فقال الجلاد
" الدكتور عبد اللطيف كان في مقام أبويا و الدكتور اشرف طبيب شرعى و هوا اللى
كان ماسك تشريح الجثث " فقال القاتل " تقريبا كل واحد عرف اللى هوا
عايزة و انا قدرت نتقم من الدكتور و جماعته فاضلى واحد و أعتقد هاخلصه دلوقتى
" فقال محمود الجزار " طالما دى لحظة حقيقة فانا عايز اقولك انك أصلا
عايز تقتل أنسان ميت انا مت مع هبة لما ماتت تصور اننا كنا كاتبين الكتاب و انا
اللى أجلت الفرح علشان شغلى لحد ما جت الليلة اللى ماتت فيها ساعتها انا كمان مت
انا عايش حياتى من يوميها بالواسطة تفتكر واحد زيى يستاهل كل اللى انت عملته ده
" فقال القاتل " تخيل انى انا كمان مت ساعة ما اهلى ماتوا تفتكر شاب زيى
يستاهل اللى انت عملته فيه ده " فقال محمود الجزار " كلنا بشر و كلنا
بنغلط " فقال القاتل " ما حدش قالك ما تغلطش بس مش من العدل انك تدمر
حياة واحد مالهوش ذنب لمجرد انك بتغلط " فقال الجلاد " طيب و الدكتورة
دعاء و الدكتور ممدوح ذنبهم أيه " فقال القاتل " ذنبهم انهم يعرفوا
الدكتور و بعدين في ناس بتموت علشان غيرهم يعيش صح " فقال محمود الجزار
" و ابن اختى كان في ايدك تقتله ما قتلتوش ليه " فقال القاتل " و
اخده بذنبك ليه طيب دول كانوا دكاتره مجانين و يعرفوا واحد قذر انما ابن اختك شاب
و بكره اكيد حياته هاتكون احسن ليه ادمر مستقبله انا بقتل علشان أخد حقى مش بقتل
بدافع القتل " فقال الجلاد " انت مجنون و كلامك متناقض انت بتقتل علشان
تريح ضميرك و تنتقم لناس مش هايفيدهم انك تقتل حد هما خلاص ماتوا و معروف مكانهم
لكن انت هاتعيش و انت مش قادر تبقى انسان و هاتتمنى الموت و مش هاتطوله "
فقال القاتل " كفاية كلام " و قام بالنظر الى محمود و قال " جه وقت
النهاية " و في تلك اللحظة قام بأستلال سلاحه و قام بأطلاق النار ......
أحس أحمد الجلاد بشظية بركانية تخترق رئته اليمنى دافعة أياة الى الخلف ليرتطم بكل
قوته بسطح رخامى استهدف مؤخرة رأسه و قبل أن يغيب عن الوعى أحس بأنهار من الحمم
البركانية تسيل على جسده قبل أن يغرق في ظلام تام ...........
أما أشرف البنهاوى ففي الحظة التي انفرجت عينه من فرط الدهشة على أثر ارتطام أحمد
الجلاد بالسطح الرخامى أحس بأجزاء عضلية صغيرة تتناثر بداخله على أثر أنفجار قلبه
الذى أصبح فعلا ماضيا لا يؤدى وظيفته التي أداها منذ لحظة تكوينه في رحم أمه ليرى
فجأة ضوءاً أبيض يغمره ذاهبا به الى رحلته الأبدية التي ستنتهى يوم ينفخ في الصور
فتنشق الأرض عن جسده ليبدأ في الخروج و رؤية أهوال يوم القيامة
أما محمود الجزار ففي اللحظة التي أستقرت رصاصته في منتصف جبهة عدوه كانت رصاصه
عدوه تتخذ نفس المكان في جبهته ليرى على الفور زوجته تمد يدها اليه ساحبة إياه الى
حيث ستجتمع روحهما في عالم أخر لا يستطيع أي شخص ان يفرق بينهما مرة أخرى
ثم انسدل ستارا من الصمت و رائحة البارود و صدى دوى الطلقات على المشهد بأكلمه
ليترك لوحة دموية مرسومة بيد أبطالها الذى سبح كل منهم في انهار دماءه مجاهدا
للوصول الى مبتغاه الذى قد يدركه بعضهم بينما يضيع البعض الاخر الى الابد و لا
يستطيع الوصول الى نهاية رحلته
بعد مرور عدة أشهر :-
فتح أحمد الجلاد عينيه ليجد نفسه راقدا على سرير خاص بمنع تكون قرح الفراش ليدرك
عقله المكدود انه قد استلقى طويلا في هذا المحيط الأبيض الذى يتكدس بالاجهزة التي تصدر
طنينا منتظما يدل على استمرار الحياة في جسده الضعيف ليخرج بعد ذلك بعدة أسابيع
مدركا أنه لا يتذكر شيئا من حياته السابقة و في اللحظة التي عانق فيها نور الشمس
عينيه ليخبره أنه ما زال في محيطه الدنيوى أدرك ان عليه البدء من جديد و ان يستعد
لتكملة رحلته التي أراد الله لها أن تستمر ...........
تمت بحول الله و قوته في 25/4/2013
شكر خاص لفريق العمل
محمد مدحت أحمد
عمرو محمد خميس
أدهم
أحمد سعد
شكر خاص جدا للمخرج / محمد مدحت أحمد صاحب مشهد الحلم في الحلقة الأخيرة الذى
استطاع برؤيته السينمائية أخراجه في هذا الشكل الرائع الذى لم اكن استطيع الاتيان
بمثله
على وعد بلقاء أخر في أقرب وقت مع أحداث رواية جديدة نتمنى أن تنال أعجابكم
محمد محسن خيأخيرا