السبت، 19 أكتوبر 2013

الدخيل : النهاية ( الجزء الأخير )



الفصل الأخير : الستار الأسود :-

جلس صلاح الكاشف فى مواجهة أحمد السماك الذى أصبح شبيها بقطعة الثلج فقال صلاح الكاشف " مين اللى رماك فى الموضوع ده انت كنت بعيد خالص يلا منه لله اللى عمل فيك كده " فقال أحمد السماك بنبرة باردة " انت بقى أيه حكايتك " فقال صلاح الكاشف
" بص يا سيدى الحكاية أبتدت من ساعة لما سافرت جنوب أفريقيا قعدت هناك مع واحد عجوز و هو اللى قالى عن رجوع الموتى و الأرواح و الحاجات ديه و بعدين انا بقولك ليه ما تشوف بنفسك " و هنا أهتزت الفيلا من حول أحمد الذى تشبث بمقعده بقوة و جحظت عيناه و هو يرى محيط المكان يتغير ليجلس فى النهاية ناظرا الى شخص أسود اللون يقوم بأعطاء رقع جلدية الى صلاح الكاشف الذى يبدو الأن أصغر من صورته التى كانت تجلس فى مواجهة أحمد منذ لحظات فقال صلاح الكاشف من خلف ظهر أحمد " هنا كانت البداية لما أخدت الورق من الراجل ده و ابتديت أشتغل على الموضوع بصورة علمية " فقال أحمد السماك بنبرة باردة للغاية " و انت ازاى فكرت ان الموضوع ده ممكن يكون حقيقى أو حتى واقعى " فقال صلاح الكاشف " لما تفقد أيمانك بربنا و بالحياة و تكون عايز تنتحر ما بتفكرش تفكير منطقى " فقال أحمد السماك " و بعد كده أيه اللى حصل " فاهتز المكان مرة أخرى ليجلس أحمد هذة المرة فى غرفة مكتب مظلمة يجلس وراءها أحد الأشخاص منهمكا فى الكتابة ليقول صلاح الكاشف بصوت خفيض " دا أنا لما رجعت مصر و اكتشفت الموضوع  ، فعلا الأرواح ممكن تتحضر و ترجع و كمان فى دلايل على كده و حوادث مثبته علميا " فقال أحمد السماك بنبرة أكثر برودة " و قدرت ترجع مراتك " فقال صلاح الكاشف " قدرت و فعلا رجعت بس كان لازم جسد علشان تعيش بيه تخيل نفسك بتنبش قبر واحد عزيز عليك و تفك من عليه الكفن و..." فقاطعه أحمد بنبرة أمره للغاية " و بعدين " فقال صلاح الكاشف " و الا قبلين اللى حصل كانت حاجة منافية للطبيعة و بعديها أنا أنتحرت " فقال أحمد السماك و هو يلتفت لينظر فى عيون صلاح الكاشف " يعنى أنت ميت " فقال صلاح الكاشف " و انت فاكر انى حى ؟ أه صحيح انا ما قولتلكش انت حضرت روحى و انت بتقرا التعويذة فى قصر الدكتور سمير " فقال أحمد السماك " بس انا ما كنتش أعرف " فقال صلاح الكاشف " أهلا بيك فى عالم الحمقى " فقال أحمد السماك " يعنى انت روح " فقال صلاح الكاشف " روح فى جسد بدر كامل " فقال أحمد السماك " و انت اللى خليت الدكتور سمير و حازم ينتحروا " فقال صلاح الكاشف بنبرة عدم الفهم " مين دول أصلا انا ما شوفتش غيرك انت و بدر كامل فى الأوضة فجحظت عيون أحمد السماك و قال " ازاى كان فيه أتنين أموات " فقال صلاح الكاشف و عيونه تجحظ " انت بتقول أيه انت عارف معناه أيه الكلام اللى انت بتقوله ده " فقال أحمد السماك و هو يلوح بيديه " انا أكيد بحلم و... ، و هنا توقف عن الحديث عندما لمح يديه لأول مرة الخاتم الكبير الفضى المنقوش على مربعة الكبير صورة لشخص مكبل بالأغلال الحديدية و جلده العجوز المنكمش بصورة مرعبة و البقع البنية المنتشرة على طول جلده فقام بالمشى بسرعة لتئن كل عظمة فى جسده حتى وصل الى مرأة معلقة على حائط المكان الذى يوجد بداخله ليحدق فى رجل عجوز للغاية ينسدل شعره الفضى الطويل على كتفيه و عيونه السوداء الصغيرة تحدق بثبات فى المرأة فقال أحمد السماك بنبرة مرعبة " أيه اللى بيحصل انا مش فاهم حاجة فهمنى حالا ... انت ما بتردش ليه " و قام بالألتفاف ليجد صلاح الكاشف ملقى على الأرض فذهب أليه بالسرعة التى يسمح بها جسده الجديد و اقترب منه يتفحصه حتى فوجىء بصوت شديد البرودة لدرجة تجمد الدماء فى العروق " كلهم مشيوا فى طريقى و كلهم ماتوا و هما كفرة " فالتفت أحمد ليحدق فى رجل طويل محدد اللحية فقال " انت مين " فقال الرجل " انا اللى بيخلى الناس تحيد عن طريقها و انا اللى بنشر الشرور فى الارض ، انا اللى كنت واقف جمب قابيل و هو بيقتل هابيل ، و كنت واقف جمب الصليبيين و هما بيقتلوا المسلمين فى القدس ، و كنت واقف جمب اليهود و هما بيقتلوا الفلسطينيين فى الأربعينات ، و كنت قاعد جمب هتلر و هو بيقتل شعوب العالم ، و كنت واقف جمب صدام حسين و هو بيحتل الكويت ، و كنت واقف جمب كل شر و كل غيرة و كل حقد و كل قتل و سلب و نهب و كل سرقة و كل زنا ... انا اللى بغوى البشر فى ساعة ضعفها " فجحظت عيون أحمد السماك و قال " أنت الشيطان" فقال الشيطان " أتشرفت بمعرفتك مع أنى أعرفك من زمان " فقال أحمد السماك " انا ما مشيتش فى الطريق الغلط انا عمرى ما مشيت فى الطريق الغلط ، انت مالكش على سلطان ، اللى بيحصل مش حقيقى انا عايز افوق ، ثم صرخ بكل ما أوتى من قوة  " أنا عايز أفوق " ثم سقط مغشيا عليه

فتح عينيه فوجد نفسه يجلس على مقعد خشبى فى محيط أبيض واسع ، لحظات و أتى والده و جلس بجانبه ليقول له " عامل أيه يا أحمد وحشتينى " فقال أحمد و هو ينظر الى والده " أيه اللى بيحصل " فقال والده " عادى انت دخلت الأختبار و نجحت فيه " فقال أحمد " أختبار أيه انا شوفت أبليس " فقال والده " أنت بتشوف أبليس على طول أى ذنب بتعمله بتشوف فيه أبليس كل الحكاية انه جالك فى هيئة بشريه مش أكتر ، انت نجحت انك تنتصر عليه كل اللى كان بيحصل كانت عبارة عن ناس بتعصى ربها و عايزة ترجع أموات ، ناس سلموا نفسهم و أرواحهم للشيطان و السحر علشان يضلهم عن السبيل الصح ، ناس أعترضت على القدر و حاربته و ما أفتكروش أن أللى بيحارب القدر بيخسر ، ناس أختارت طريق الضلال و ما رضيوش بحكم ربنا ، أمين دخلك علشان دا قدرك و مكتوب عليك تدخل و تخرج من الموضوع و مكتوب عليك كل اللى انت شوفته و قابلته و عيشته جوا الموضوع ده ، مكتوب عليك انك تعمل كده " فقال أحمد السماك " انا فين دلوقتى يا بابا " فقال والده " سؤال أجابته مش عندى و مش عند أى حد روح يبنى و الأيام مسيرها تنسيك " فقال أحمد السماك " تنسينى أيه فى حاجات ما تقدرش تنساها " فقال والده " يا أبنى كل حاجة بتتنسى أنت ذات نفسك نسيتنى انت بقالك كتير ما جيتش زورتنى ، انا ما بطلبش منك تزورنى بس بقولك كل حاجة بتتنسى ، كمل حياتك يبنى و أسعى و خليك مع الله و أوعى تتخذ الشيطان ولياّ " و قام والده بجذبه ناحية صدره و قال و هو يملس على شعر رأسه " فاكر لما كنت صغير كنت ما بترضاش تنام غير كده لحد ما بقى عندك 9 سنين " فقال أحمد و الدموع تنهمر بغزارة على وجهه " و فاكر انك كنت كل ليلة بتتخانق مع ماما علشان تيجى تنام جمبى و هى كانت بتقولك أنى كبرت " فقال والده " الأرواح ما بترجعش يبنى و السحر و الحاجات ديه ما بتعملش حاجة ، حتى اللى بيقولك رجع روح و عاش معاها دا مش أكتر من جن و العياذ بالله كفاية أنه بيعصى ربنا و بيضمن مكان فى جهنم " فقال أحمد السماك " طيب و الناس اللى ماتت و بدر اللى مات و كل ده هاخرج منه أزاى " فقال والده و هو يبتسم " هاتعرف لما ترجع عيش بقلب أقوى من الحديد و أوعى تخاف من حد أو من أى حاجة طالما أنت مع ربنا ما تخافش غير منه و خليك فاكر اللى بيحارب القدر بيخسر ، أبقى أفتكرنى يا أحمد " و هنا هبط أحمد على صدر والده حتى راح فى سبات عميق ....

أستيقظ أحمد ليجد نفسه مستلقيا بجانب بدر كامل الذى كان يئن بصوت منخفض ، أستيقظ فوجد جثة الدكتور سمير و جثة حازم بدران مازالوا يحدقون فى الفراغ ، أستيقظ بدر كامل بجانبه فكان أول كلمة قالها " انا قابلت أبويا " فابتسم أحمد السماك مشجعا و قال " و أنا كمان " فقام بدر من على الارض و جمع الأوراق و وضع عليها أسفنج ولاعتة المشبع بالبنزين و قال لأحمد السماك " ولع فى الورق " فقام أحمد السماك بأشعال النيران فى الأوراق لتصبح القطع الجلدية مجرد ركام أسود محترق يبعث الدخان الأسود و قال لبدر
" انا هارجع البيت و أرجع الشغل تانى " و قال بدر " بيتى فى سوهاج مستنينى و الشركة عايزة محاسب و شريك أسحب فلوسك اللى فى البنك و تعالى نتشارك أحنا حمينا بعض و وقفنا مع بعض فى وش الموت انا لا يمكن هاثق فى حد غير فيك " فابتسم أحمد فى صمت و خرج الأثنان من باب الفيلا ليحدقوا بعيون نصف مفتوحة فى ضوء الشمس الذى ينتشر ببطىء ليعلن مجىء الفجر محملا بالضوء و الدفء و الأمل

بعد مرور عشرة سنوات :-

قال أحمد و هو يجلس فى غرفة مكتبه فى الفيلا الجديدة الذى قام بشراءها بصحبة بدر كامل الذى قام بشراء الفيلا المجاورة بعدما أنتقل الى القاهرة بعد زواجه هو الأخر " بطلى لعب يا لمياء انتى و جمال مش عارف أشتغل " فردت لمياء بصوت ناعم " هو أبنى لوحدى تعالى سكته " فقام أحمد بالتوجه الى باب الغرفة و قام بفتحه و التقط أبنه صاحب الثمانية أعوام و قام بمداعبته ليضحك الطفل و تضحك لمياء و تحتضن زوجها و أبنها لتشعر بأنها أمتلكت الكون بأسره

و من خارج الفيلا نظر رجل طويل محدد اللحية الى المشهد و ابتسم بجانب فمه فى ثقة ثم أستدار و أتجه الى الفيلا المجاورة لينظر الى بدر كامل و عائلته ثم يرحل فى صمت فى أتجاه الشمس
ثم يتلاشى فى بطىء

تمت بحول الله تعالى و قوته فى 19/10/2013
للتواصل و أبداء الأراء

mido_mad201020@yahoo.com
facebook / Mohamed Mohsen

أتقدم بخالص الأسف نتيجة للتأخير الغير مقصود فى هدة الرواية و أوضح أنه كان بالفعل خارجا عن أرادتى نتيجة لأنشغالى ببعض الأمور الحتمية و أتعهد بعدم تكرار هذا التأخير فى الروايات المقبلة و أشكركم على المتابعة و فى أنتظار أراء الجميع

المؤلف / محمد محسن صالح

ليست هناك تعليقات: